الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
ويشترط في صحة اللعان شروط ستة: أحدها أن يكون بمحضر الإمام أو نائبه الثاني أن يأتي كل واحد منهما باللعان بعد إلقائه عليه, فإن بادر به قبل أن يلقيه الإمام عليه لم يصح كما لو حلف قبل أن يحلفه الحاكم الثالث, استكمال لفظات اللعان الخمسة فإن نقص منها لفظة لم يصح الرابع أن يأتي بصورته, إلا ما ذكرنا من الاختلاف في إبدال لفظة بمثلها في المعنى الخامس الترتيب فإن قدم لفظة اللعنة على شيء من الألفاظ الأربعة, أو قدمت المرأة لعانها على لعان الرجل لم يعتد به السادس الإشارة من كل واحد منهما إلى صاحبه إن كان حاضرا, وتسميته ونسبته إن كان غائبا ولا يشترط حضورهما معا بل لو كان أحدهما غائبا عن صاحبه مثل إن لاعن الرجل في المسجد والمرأة على بابه, لعدم إمكان دخولها جاز. وإن كان الزوجان يعرفان العربية لم يجز أن يلتعنا بغيرها لأن اللعان ورد في القرآن بلفظ العربية وإن كانا لا يحسنان ذلك, جاز لهما الالتعان بلسانهما لموضع الحاجة فإن كان الحاكم يحسن لسانهما أجزأ ذلك, ويستحب أن يحضر معه أربعة يحسنون لسانهما وإن كان الحاكم لا يحسن لسانهما فلا بد من ترجمان قال القاضي: ولا يجزئ في الترجمة أقل من اثنين عدلين وهو قول الشافعي وظاهر قول الخرقي لأنه قال: ولا يقبل في الترجمة عن أعجمي حاكم إليه, إذا لم يعرف لسانه أقل من عدلين يعرفان لسانه وذكر أبو الخطاب رواية أخرى أنه يجزئ قول عدل واحد وهو قول أبي حنيفة وسنذكر ذلك في موضع آخر -إن شاء الله تعالى-. قال: [وإن كان بينهم في اللعان ولد, ذكر الولد فإذا قال: أشهد بالله لقد زنت يقول: وما هذا الولد ولدي وتقول هي: أشهد بالله لقد كذب, وهذا الولد ولده] وجملة ذلك أنه متى كان اللعان لنفي ولد فلا بد من ذكره في لعانهما وقال الشافعي: لا تحتاج المرأة إلى ذكره لأنها لا تنفيه, وإنما احتاج الزوج إلى ذكره لنفيه وقال أبو بكر: لا يحتاج واحد منهما إلى ذكره وينتفي بزوال الفراش ولنا أن من سقط حقه باللعان, اشترط ذكره فيه كالمرأة والمرأة أحد الزوجين, فكان ذكر الولد شرطا في لعانها كالزوج ولأنهما متحالفان على شيء فاشترط ذكره في تحالفهما كالمختلفين في اليمين وظاهر كلام الخرقي أنه يكتفى بقول الزوج: وما هذا الولد ولدي ومن المرأة بقولها: وهذا الولد ولده وقال القاضي: يشترط أن يقول: هذا الولد من زنا, وليس هو مني وهو مذهب الشافعي لأنه قد يريد بقوله: ليس هو مني يعني خلقا وخلقا ولم تقتصر على قوله: من زنا لأنه قد يعتقد أن الوطء في نكاح فاسد زنا فأكدنا بذكرهما جميعا ولنا أنه نفى الولد في اللعان فاكتفي به كما لو ذكر اللفظين, وما ذكروه من التأكيد تحكم بغير دليل ولا ينتفي الاحتمال بضم إحدى اللفظتين إلى الأخرى فإنه إذا اعتقد أنه من وطء فاسد, واعتقد أن ذلك زنا صح منه أن يقول اللفظين جميعا وقد يريد أنه لا يشبهني خلقا وخلقا أو أنه من وطء فاسد فإن لم يذكر الولد في اللعان, لم ينتف عنه فإن أراد نفيه أعاد اللعان ويذكر نفي الولد فيه. وإذا قذف امرأته بالزنا برجل بعينه, فقد قذفهما وإذا لاعنها سقط الحد عنه لهما سواء ذكر الرجل في لعانه أو لم يذكره, وإن لم يلاعن فلكل واحد منهما المطالبة وأيهما طالب, حد له ومن لم يطالب فلا يحد له, كما لو قذف رجلا بالزنا بامرأة معينة وبهذا قال أبو حنيفة ومالك إلا في أنه لا يسقط حده بلعانها وقال بعض أصحابنا: القذف للزوجة وحدها, ولا يتعلق بغيرها حق في المطالبة ولا الحد لأن هلال بن أمية قذف زوجته بشريك ابن سحماء فلم يحده النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عزره له وقال بعض أصحاب الشافعي: يجب الحد لهما وهل يجب حد واحد أو حدان؟ على وجهين وقال بعضهم: لا يجب إلا حد واحد, قولا واحدا ولا خلاف بينهم أنه إذا لاعن وذكر الأجنبي في لعانه أنه يسقط عنه حكمه, وإن لم يذكره فعلى وجهين ولنا أن اللعان بينة في أحد الطرفين, فكان بينة في الطرف الآخر كالشهادة ولأن به حاجة إلى قذف الزاني, لما أفسد عليه من فراشه وربما يحتاج إلى ذكره ليستدل بشبه الولد للمقذوف على صدق قاذفه كما استدل النبي -صلى الله عليه وسلم- على صدق هلال بشبه الولد لشريك ابن سحماء فوجب أن يسقط حكم قذفه ما أسقط حكم قذفها, قياسا له عليها. ولو قذف امرأته وأجنبية أو أجنبيا بكلمتين فعليه حدان لهما فيخرج من حد الأجنبية بالبينة خاصة, ومن حد الزوجة بالبينة أو اللعان وإن قذفهما بكلمة فكذلك إلا أنه إذا لم يلاعن, ولم تقم بينة فهل يحد لهما حدا واحدا أو حدين؟ على روايتين: إحداهما يحد حدا واحدا وبه قال أبو حنيفة, والشافعي في القديم وزاد أبو حنيفة: سواء كان بكلمة أو بكلمات لأنهما حدود من جنس فوجب أن تتداخل كحدود الزنا والثانية: إن طالبوا مجتمعين فحد واحد, وإن طالبوا متفرقين فلكل واحد حد لأنهم إذا اجتمعوا في الطلب أمكن إيفاؤهم بالحد الواحد وإذا تفرقوا لم يمكن جعل الحد الواحد إيفاء لمن لم يطالب لأنه لا يجوز إقامة الحد له قبل المطالبة منه وقال الشافعي, في الجديد: يقام لكل واحد حد بكل حال لأنها حقوق لآدميين فلم تتداخل كالديون ولنا أنه إذا قذفهما بكلمة واحدة يجزئ حد واحد, أنه يظهر كذبه في قذفه وبراءة عرضهما من رميه بحد واحد فأجزأ, كما لو كان القذف لواحد وإذا قذفهما بكلمتين وجب حدان لأنهما قذفان لشخصين فوجب لكل واحد حد, كما لو قذف الثاني بعد حد الأول وهكذا الحكم فيما إذا قذف أجنبيتين أو أجنبيات فالتفصيل فيه على ما ذكرناه وإن قذف أربع نسائه فالحكم في الحد كذلك وإن أراد اللعان, فعليه أن يلاعن لكل واحدة لعانا مفردا ويبدأ بلعان التي تبدأ بالمطالبة فإن طالبن جميعا, وتشاححن بدأ بإحداهن بالقرعة وإن لم يتشاححن, بدأ بلعان من شاء منهن ولو بدأ بواحدة منهن من غير قرعة مع المشاحة صح ويحتمل أن يجزئه لعان واحد فيقول: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به كل واحدة من زوجاتي هؤلاء الأربع من الزنا وتقول كل واحدة: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنى لأنه يحصل المقصود بذلك والأول أصح لأن اللعان أيمان فلا تتداخل لجماعة, كالأيمان في الديون. ولو قال لزوجته: يا زانية بنت الزانية فقد قذفها وقذف أمها بكلمتين والحكم في الحد لهما على ما مضى من التفصيل فيه, فإن اجتمعا في المطالبة ففي أيتهما يقدم؟ فيه وجهان: أحدهما الأم لأن حقها آكد لكونه لا يسقط إلا بالبينة, ولأن لها فضيلة الأمومة والثاني تقديم البنت لأنه بدأ بقذفها ومتى حد لإحداهما ثم وجب عليه الحد للأخرى, لم يحد حتى يبرأ جلده من حد الأولى فإن قيل: إن الحد ها هنا حق لآدمي فلم لا يوالي بينهما كالقصاص فإنه لو قطع يدي رجلين, قطعنا يديه لهما ولم نؤخره؟ قلنا: لأن حد القذف لا يتكرر بتكرر سببه قبل إقامة حده فالموالاة بين حدين فيه تخرجه عن موضوعه, والقصاص يجوز أن تقطع الأطراف كلها في قصاص واحد فإذا جاز لواحد فلاثنين أولى.
|